اللّباب في علوم الكتاب | الآيات : 62 ـ 65 (2024)

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:

2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

الجزء ١الجزء ٢الجزء ٣الجزء ٤الجزء ٥الجزء ٦الجزء ٧الجزء ٨الجزء ٩الجزء ١٠الجزء ١١الجزء ١٢الجزء ١٣الجزء ١٤الجزء ١٥الجزء ١٦الجزء ١٧الجزء ١٨الجزء ١٩الجزء ٢٠

قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُهارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَوَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُلِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧)فَكَذَّبُوهُمافَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنامُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)(٤٩)

قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُهارُونَ) الآية. يجوز أن يكون «هارون» بدلا (١) ، وأن يكون بيانا ، وأن يكون منصوبا بإضمار أعني. واختلفوافي الآيات (٢) ، فقال ابن عباس : هي الآيات التسع وهي العصا ، واليد ،والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والبحر ، والسنين ، ونقص الثمرات. وقالالحسن : «بآياتنا» أي : بديننا. واحتج بأن المراد لو كان الآيات وهي المعجزات ،والسلطان المبين : هو أيضا المعجز ، لزم منه عطف الشيء على نفسه.

والأول أقرب ،لأنّ لفظ الآيات إذا ذكر مع الرسول فالمراد به المعجزات.

وأما احتجاجهفالجواب عنه من وجوه :

الأول : أنّالمراد بالسلطان المبين : يجوز أن يكون أشرف معجزاته ، وهي العصا ، لأن فيهامعجزات شتّى من انقلابها حيّة وتلقّفها (٣) ما (٤) صنع السحرة ، وانفلاق البحر ، وانفجار العيون من الحجربضربهما بها ، وكونها حارسا ، وشمعة ، وشجرة مثمرة ، ودلوا ، ورشاء ، فلاجتماع هذهالفضائل فيها أفردت بالذكر كقوله : (وَجِبْرِيلَوَمِيكالَ)(٥).

والثاني : يجوز أنيكون المراد (٦) بالآيات نفس تلك (٧) المعجزات ، وبالسلطان المبين كيفيّة دلالتها على الصدق ،فلأنها (٨) وإن شاركت آيات سائر الأنبياء في كونها آيات فقد فارقتهافي قوة دلالتها على قبول قول موسى ـ عليه‌السلام (٩) ـ.

الثالث : أن يكونالمراد بالسلطان المبين استيلاء موسى ـ عليه‌السلام ـ عليهم في الاستدلال على وجود الصانع ، وإثبات النبوّة ،وأنه ما كان يقيم لهم قدرا ولا وزنا.

واعلم أنّ الآيةتدل على أنّ معجزات موسى كانت معجزات هارون أيضا وأنّ النبوة مشتركة بينهما ،فكذلك (١٠) المعجزات (١١). ثم قال : (إِلى فِرْعَوْنَوَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا) وتعظموا عن الإيمان (وَكانُوا قَوْماًعالِينَ) متكبرين قاهرين غيرهم (١٢) بالظلم.

قوله : «لبشرين»بشر يقع على الواحد والمثنى والمجموع ، والمذكر والمؤنث (١٣)

__________________

(١) انظر التبيان ٢ /٩٥٥.

(٢) من هنا نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٢.

(٣) في ب : تلفقها.

(٤) في الأصل : معما.

(٥) من قوله تعالى : «مَنْكانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّاللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ»[البقرة : ٩٨].

(٦) في ب : يجوز أنيراد.

(٧) تلك : سقط من ب.

(٨) في ب : لأنها.

(٩) في ب : عليهالصلاة والسلام.

(١٠) في ب : وكذلك.

(١١) آخر ما نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٢.

(١٢) في ب : غرهم.وهو تحريف.

(١٣) اللسان (بشر).

٢٢١

قال تعالى : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ)(١) ، وقد يطابق ، ومنه هذه الآية وأما إفراد «مثلنا» ، فلأنهيجري مجرى المصادر في الإفراد والتذكير ، ولا يؤنث أصلا ، وقد يطابق ما هو لهتثنية لقوله : (مِثْلَيْهِمْ رَأْيَالْعَيْنِ)(٢) وجمعا كقوله : (ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم)(٣)(٤).

وقيل : أريدالمماثلة في البشريّة لا الكمية (٥). وقيل : اكتفي بالواحد عن الاثنين (٦). (وَقَوْمُهُما لَناعابِدُونَ)(٧) جملة حالية.

فصل

«فقالوا» يعنيلفرعون وقومه (أَنُؤْمِنُلِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) يعنون موسى وهارون (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) مطيعون متذللون (٨). قال أبو عبيدة : والعرب تسمي كل من دان لملك (٩) عابدا له (١٠) ويحتمل أن يقال (١١) : إنه كان يدعي الإلهية ، وإن طاعة الناس له عبادة ، ولمّاخطر ببالهم هذه الشبهة صرحوا بالتكذيب ، ولمّا كان التكذيب كالعلّة لهلاكهم لا جرمرتّبه عليه بفاء التعقيب ، فقال : (فَكَذَّبُوهُمافَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) أي : بالغرق (أي : فيمن حكم عليهم بالغرق) (١٢) فإن الغرق لم يحصل عقيب التكذيب ، (إنما حصل عقيب التكذيب)(١٢) حكم الله ـ تعالى ـ عليهم بالغرق في الوقت اللائق (١٣) به.

قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) قيل : أراد قوم موسى ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليهمقامه ، ولذلك أعاد الضمير من قوله : «لعلّهم» عليهم (١٤).

وفيه نظر ، إذيجوز عود الضمير على القوم من غير تقدير إضافتهم إلى موسى ، ويكون هدايتهم مترتبةعلى إيتاء التوراة لموسى. قال الزمخشري : لا يجوز أن يرجع الضمير في «لعلّهم» إلىفرعون وملئه لأن التوراة إنما أوتيت بنو إسرائيل بعد إغراق فرعون ، بدليل قولهتعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَامُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ) (١٥)(١٦).

__________________

(١) من قوله تعالى : «قالُواما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْأَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ»[يس : ١٥].

(٢) من قوله تعالى : «قَدْكانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِوَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ»[آل عمران : ١٣].

(٣) من قوله تعالى : «وَإِنْتَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ»[محمد : ٣٨].

(٤) انظر التبيان ٢ /٩٥٦.

(٥) المرجع السابق.

(٦) المرجع السابق.

(٧) في ب : عابدين.وهو تحريف.

(٨) انظر البغوي ٦ /٢٠.

(٩) في ب : الملك.

(١٠) مجاز القرآن ٢ /٥٩.

(١١) من هنا نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٢.

(١٢) ما بين القوسينسقط من ب.

(١٣) آخر ما نقله عنالفخر الرازي ٢٣ / ١٠٣.

(١٤) انظر البحرالمحيط ٦ / ٤٠٧.

(١٥) [القصص : ٤٣].

(١٦) الكشاف ٣ / ٤٩.

٢٢٢

بل المعنى الصحيحولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم (١) يعملون بشرائعها ، ومواعظها ، فذكر موسى والمراد آل موسىكما يقال : هاشم وثقيف. والمراد قومهم (٢).

قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُآيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٥٠)

قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُآيَةً) والمراد عيسى ـ عليه‌السلام (٣) ـ وأمه «آية» دلالة على قدرتنا. ولم يقل آيتين قيل : معناهجعلنا شأنهما آية. وقيل المعنى كل واحد آية كقوله : (كِلْتَاالْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا)(٤)(٥). قال المفسرون : معنى كون عيسى وأمه آية أنه خلق من غير ذكر ، وأنطقه فيالمهد في الصغر ، وأجرى على يده إبراء الأكمه (٦) والأبرص (٧) ، وإحياء الموتى وأمّا مريم فلأنها حملت من غير ذكر (٨). وقال الحسن : تكلّمت مريم في صغرها كما تكلّم عيسى وهو قولها: (هُوَ مِنْ عِنْدِاللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٩) ، ولم تلقم ثديا قط (١٠). قال ابن الخطيب : والأقرب أن جعلهما آية هو نفس الولادة ،لأنه ولد من غير ذكر وولدته من دون ذكر فاشتركا جميعا في هذا الأمر العجيب الخارقللعادة ، ويدل على هذا وجهان :

الأول : قوله : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُآيَةً) لأن نفس المعجز ظهر منهما ، لا أنّه ظهر على يديهما ، لأنّالولادة فيه وفيها (١١) بخلاف الآيات التي ظهرت على يده.

الثاني : قوله : (آيَةً) ولم يقل آيتين ، وحمل هذا اللفظ على الأمر الذي لا يتمّإلا بمجموعهما أولى ، وذلك هو الولادة لا المعجزات التي كانت لعيسى (١٢).

قوله : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ) «الرّبوة» و «الرّباوة»في رائهما (١٣) الحركات الثلاثة (١٤)(١٥) ، وهي الأرض المرتفعة.

__________________

(١) لعلهم : سقط منب.

(٢) انظر الكشاف ٣ /٤٩. بتصرف ، والفخر الرازي ٢٣ / ١٠٣.

(٣) في ب : عليهالصلاة والسلام.

(٤) [الكهف : ٣٣].

(٥) انظر معانيالقرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٤ ، الكشاف ٣ / ٤٩.

(٦) الأكمه : الكمهفي التفسير : العمى الذي يولد به الإنسان. كمه بصره ـ بالكسر ـ كمها وهو أكمه إذااعترته ظلمة تطمس عليه. والأكمه: الذي يولد أعمى. اللسان (كمه.

(٧) البرص : داءمعروف ، وهو بياض يقع في الجسد ، برص برصا ، والأنثى برصاء. ورجل أبرص ، وحيّةبرصا : في جلدها لمع بياض ، وجمع الأبرص برص. اللسان (برص.

(٨) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٣.

(٩) [آل عمران : ٣٧].

(١٠) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٣.

(١١) في ب : فيها.

(١٢) الفخر الرازي ٢٣/ ١٠٣ ـ ١٠٤.

(١٣) في النسختين :رائها.

(١٤) في ب : الثلاث.

(١٥) كلها لغات قرىءبها ، فقرأ عاصم وابن عامر «إِلى رَبْوَةٍ» فتحا وباقي السبعة «ربوة» ضما وقرأ ابنعباس ونصر عن عاصم بكسرها. وقرأ محمد بن إسحاق «رباوة» بضم الراء وبالألف ، وقرأزيد بن ـ

٢٢٣

قال عطاء عن ابنعباس : هي (١) بيت المقدس ، وهو قول قتادة وأبي العالية وكعب (٢) قال كعب : هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا (٣).

وقال أبو هريرة :إنها الرّملة (٤). وقال السدي : أرض فلسطين (٥). وقال عبد الله بن سلام : هي دمشق ، وهو قول سعيد بنالمسيب ومقاتل والضحاك (٦). وقال الكلبي وابن زيد : هي مصر (٧). والقرار : المستقر من أرض مستوية منبسطة (٨). وقال قتادة : ذات ثمار وماء ، أي : لأجل الثمار يستقرفيها ساكنوها (٩). قوله : «ومعين» صفة لموصوف محذوف ، أي : وماء معين. وفيهقولان :

أحدهما : أن ميمهزائدة ، وأصله معيون (١٠). أي : مبصر بالعين فأعلّ إعلال مبيع (١١) وبابه وهو مثل قولهم : كبدته ، أي ضربت كبده ، ورأسته أي :أصبت رأسه ، وعنته أي : أدركته بعيني ولذلك أدخله الخليل في مادة ع ي ن (١٢).

والثاني : أنالميم أصلية ، ووزنه (فعيل) مشتق من المعن (١٣).

واختلف في المعين، فقيل : هو الشيء القليل ، ومنه : الماعون (١٤). وقيل : هو من معن الشيء معانة أي : كثر (١٥) ، قال جرير (١٦) :

٣٧٩٩ ـ إنّ الّذين غدوا بلبّك غادروا

وشلا بعينك لايزال معينا (١٧)

وقال الراغب : هومن معن الماء جرى ، وسمي مجاري الماء معنان ، وأمعن الفرس تباعد في عدوه ، وأمعنبحقّي : ذهب به ، وفلان معن في حاجته (١٨) يعني : سريعا فكلّه راجع إلى معنى الجري والسرعة.

__________________

ـ علي والأشهبالعقيلي والفرزدق والسلمي بفتحها وبالألف. وقرأ ابن أبي إسحاق بكسرها وبالألف.

السبعة (٤٤٦) المختصر (٩٨) تفسير ابنعطية ١٠ / ٣٦١ اللسان (ربا) البحر المحيط ٦ / ٤٠٨.

(١) في ب : هو.

(٢) انظر القرطبي ١٢/ ١٢٦.

(٣) المرجع السابق.

(٤) الرملة : مدينةبالشام. اللسان (رمل) ، الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٤.

(٥) انظر البغوي ٦ /٢١ ـ ٢٢.

(٦) انظر القرطبي ١٢/ ١٢٦.

(٧) انظر البغوي ٦ /٢١ ، الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٤.

(٨) انظر الكشاف ٣ /٤٩.

(٩) المرجع السابق.

(١٠) انظر معانيالقرآن للفراء ٢ / ٢٣٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٦.

(١١) انظر الممتع ٢ /٤٥٤ ـ ٤٦٠ ، شرح الشافية ٣ / ١٤٧ ـ ١٤٨.

(١٢) البحر المحيط ٦/ ٣٩٤.

(١٣) انظر معانيالقرآن للفراء ٢ / ٢٣٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٦.

(١٤) انظر التبيان ٢/ ٩٥٦.

(١٥) انظر البحرالمحيط ٦ / ٣٩٤.

(١٦) في ب : قالالشاعر.

(١٧) البيت من بحرالكامل قاله جرير ، وهو في ديوانه ١ / ٣٨٦ والكامل ٢ / ٨١٧ ، ومجالس ثعلب ٢ / ٥٩٧، اللسان (وشل) والبحر المحيط ٦ / ٣٩٤.

الوشل : الماء القليل، وقيل : الكثير ، فهو على ذلك من الأضداد ، والوشل من الدمع يكون القليل والكثير، وبالكثير فسر بعضهم هذا البيت.

(١٨) المفردات فيغريب القرآن (٤٧٠).

٢٢٤

وفي المعين قولان (١) :

أحدهما : أنّهمفعول ، لأنه لظهوره مدرك بالعين من عانه : إذا أدركه بعينه.

وقال الفراء (٢) والزجاج (٣) : إن شئت جعلته (فعيلا) من الماعون ، ويكون أصله من المعن (٤) والماعون فاعول منه. قال أبو علي : والمعين : السهل الذيينقاد ولا يتعاصى ، والماعون ما سهل على معطيه. قالوا : وسبب الإيواء أنها فرّتبابنها عيسى إلى الربوة وبقيت بها اثنتي عشرة (٥) سنة ، وإنما ذهب بها ابن عمها يوسف ، ثم رجعت إلى أهلهابعدما مات ملكهم (٦).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَالطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِأُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُواأَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِيغَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَأَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِيالْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ)(٥٦)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَالطَّيِّباتِ) الآية.

اعلم أنّ هذا خطابمع (٧) كل الرسل ، وذلك غير ممكن ، لأنّ الرّسل إنّما أرسلوا متفرقين في أزمنةمختلفة ، فلهذا تأوّلوه على وجوه :

فقيل : معناهالإعلام بأن كلّ رسول نودي في زمانه بهذا المعنى ، ووصي به ، ليعتقد السامع أنأمرا نودي له جميع الرسل ، ووصوا به ، حقيق أن يؤخذ ويعمل عليه.

وقال الحسن ومجاهدوقتادة والسدي والكلبي وجماعة : أراد به محمدا ـ عليه‌السلام (٨) ـ وحّده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعةكقولك للواحد : أيّها القوم كفّوا عنّا أذاكم ولأنه ذكر ذلك بعد انقضاء أخبارالرسل. وقال ابن جرير (٩) : المراد عيسى ـ عليه‌السلام (١٠) ـ لأنه إنما ذكر بعد ذكره مكانه الجامع للطعام والشراب ،ولأنه روي «أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام كان يأكل من غزل أمه»(١١).

__________________

(١) من هنا نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٤.

(٢) قال الفراء : (وقوله: «ومعين» : الماء الجاري. ولك أن تجعل المعين مفعولا من العيون ، وأن تجعله فعيلامن الماعون ويكون أصله المعن) معاني القرآن ٢ / ٢٣٧.

(٣) قال الزجاج : (و«معين» ماء جار من العيون. وقال بعضهم : يجوز أن يكون فعيلا من المعن مشتقا منالماعون. وهذا بعيد ، لأن المعن في اللغة الشيء القليل ، والماعون هو الزكاة ، وهوفاعل من المعن) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٥.

(٤) في النسختين :المعين.

(٥) في النسختين :اثني عشر.

(٦) آخر ما نقله عنالفخر الرازي ٢٣ / ١٠٤.

(٧) من هنا نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٥.

(٨) في ب : عليهالصلاة والسلام.

(٩) جامع البيان ١٨ /٢٢.

(١٠) في ب : عليهالصلاة والسلام.

(١١) انظر جامعالبيان ١٨ / ٢٢ ، الدر المنثور ٥ / ١٠.

٢٢٥

والأول أقرب ،لأنه أوفق للفظ ، ولأنه روي عن أم عبد الله أخت شدّاد بن أوس أنها بعثت إلى رسولالله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقدح لبن في شدّة الحر عند فطره وهو صائم فردّه الرسولإليها وقال : «من أين لك هذا؟» ، فقالت : من شاة لي ، فقال : «من أين هذه الشاة؟»، فقالت : اشتريتها بمالي ، فأخذه ، ثم إنها جاءته فقالت : يا رسول الله لم رددته؟فقال ـ عليه‌السلام (١) ـ : «بذلك أمرت الرسل أن لا تأكل إلّا طيبا ولا تعمل إلّاصالحا (٢)» (٣).

واختلفوا فيالطيّب ، فقيل : هو الحلال. وقيل : هو المستطاب المستلذ من المأكل (٤).

قوله : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) يجوز أن يكون «صالحا» نعتا لمصدر محذوف أي : واعملوا عملاصالحا من غير نظر إلى ما يعملونه ، كقولهم : يعطي ويمنع. ويجوز أن يكون مفعولا به، وهو واقع على نفس المعمول. (إِنِّي بِماتَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وهذا تحذير من مخالفة ما أمرهم به ، وإذا كان تحذيرا للرسلمع علو شأنهم ، فبأن يكون تحذيرا لغيرهم أولى (٥).

قوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةًواحِدَةً) قرأ ابن عامر وحده «وأن هذه» بفتح الهمزة وتخفيف النون.والكوفيون (٦) بكسرها والتثقيل. والباقون بفتحها والتثقيل (٧). فأمّا قراءة ابن عامر فهي المخففة من الثقيلة ، وسيأتيتوجيه الفتح في الثقيلة ، فيتضح معنى قراءته.

وأمّا قراءةالكوفيين فعلى الاستئناف (٨).

وأمّا قراءةالباقين (٩) ففيها ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّها علىحذف اللام أي : ولأنّ هذه ، فلمّا حذف حرف الجرّ جرى الخلاف المشهور(١٠) ، وهذه اللام تتعلق ب «اتّقون» (١١). والكلام في الفاء كالكلام في قوله : (إِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(١٢).

__________________

(١) في ب : عليهالصلاة والسلام.

(٢) أخرجه أحمد فيمسنده ٦ / ٣٤٠ ، وأورده السيوطي في الدر المنثور ٥ / ١٠.

(٣) آخر ما نقله عنالفخر الرازي ٢٣ / ١٠٥.

(٤) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٥.

(٥) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٥.

(٦) وهم : عاصم ،وحمزة ، والكسائي.

(٧) السبعة (٤٤٦) ،الحجة لابن خالويه (٢٥٧) ، الكشف ٢ / ١٢٩ النشر ٢ / ٣٢٨ ، الإتحاف (٣١٩).

(٨) انظر مشكل إعرابالقرآن ٢ / ١١١ ، البيان ٢ / ١٥٨ ، التبيان ٢ / ٩٥٧.

(٩) وهي بفتح «أنّ»والتثقيل.

(١٠) انظر الكتاب ٣ /١٢٦ ـ ١٢٩ ، المغني ٢ / ٥٢٥ ـ ٥٢٧ ، الهمع ٢ / ٨١ ، الأشموني ٣ / ٩٢.

(١١) انظر مشكل إعرابالقرآن ٢ / ١١١ ، البيان ٢ / ١٥٨ ، التبيان ٢ / ٩٥٦.

(١٢) من قوله تعالى :«يابَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوابِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ»[البقرة : ٤٠].

٢٢٦

الثاني : أنهامنسوقة على (بِما تَعْمَلُونَ) أي : إنّي عليم بما تعملون وبأنّ هذه ، فهذه (١) داخلة في حيز المعلوم (٢).

الثالث : أنّ فيالكلام حذفا تقديره : واعلموا أن هذه أمتكم (٣).

وتقدّم (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْزُبُراً) وما قيل فيها (٤).

فصل

المعنى : وأن هذهملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها أمة واحدة ، أي : ملة واحدة وهي الإسلام(٥). فإن قيل : لمّا كانت شرائعهم مختلفة فكيف يكون دينهمواحدا؟

فالجواب : أنّالمراد من الدين ما لا يختلفون من أصول الدين من معرفة ذات الله وصفاته ، وأماالشرائع فإن الاختلاف فيها لا يسمّى اختلافا في الدين ، فكما يقال في الحائضوالطاهر من النساء : إن دينهن واحد وإن افترق تكليفهما فكذا هنا (٦).

وقيل : المعنى :أمرتكم بما أمرت به المرسلين من قبلكم ، وأمركم واحد (٧).

(وَأَنَا رَبُّكُمْفَاتَّقُونِ) فاحذرون ، (فَتَقَطَّعُواأَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي : تفرقوا فصاروا فرقا يهودا ، ونصارى ، ومجوسا. «زبرا»أي : فرقا وقطعا مختلفة ، واحدها (زبور) ، وهو الفرقة والطائفة ، ومثلها «الزّبرة»وجمعها «زبر» (٨) ومنه (زُبَرَ الْحَدِيدِ)(٩).

وقرأ بعض أهلالشام : «زبرا» بفتح الباء (١٠). وقال مجاهد (١١) وقتادة «زبرا» أي : كتبا ، أي : دان كلّ فريق بكتاب غيرالكتاب الذي دان به الآخر.

وقيل : جعلواكتبهم قطعا آمنوا بالبعض وكفروا بالبعض وحرّفوا البعض (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) بما عندهم من الدين معجبون مسرورون (١٢).

ولما ذكر تفرقهمفي دينهم أتبعه بالوعيد وقال : (فَذَرْهُمْ فِيغَمْرَتِهِمْ) وهذا خطاب

__________________

(١) فهذه : سقط من ب.

(٢) انظر معاني القرآنللفراء ٢ / ٢٣٧ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١١ ، البيان ٢ / ١٨٦ ، التبيان ٢ / ٩٥٦.

(٣) وهو قول الفراء.معاني القرآن ٢ / ٢٣٧ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١١ ، البيان ٢ / ١٨٦ ، التبيان ٢ /٩٥٦.

(٤) عند قوله تعالى :«وَلَقَدْكَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَالصَّالِحُونَ» [الأنبياء : ١٠٥].

(٥) انظر البغوي ٦ /٢٣.

(٦) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٦.

(٧) انظر البغوي ٦ /٢٣.

(٨) زبرة الحديد :القطعة الضخمة منه ، والجمع زبر. اللسان (زبر).

(٩) من قوله تعالى : «آتُونِيزُبَرَ الْحَدِيدِ» [الكهف : ٩٦]. انظرالبغوي ٦ / ٢٣.

(١٠) وهي قراء الأعمش، وأبي عمرو بخلاف. تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٦٧ فمن قرأ «زبرا» فتأويله جعلوا دينهمكتبا مختلفة ، جمع زبور. ومن قرأ «زبرا» أراد قطعا. جمع زبرة. معاني القرآنوإعرابه للزجاج ٤ / ١٦ ، التبيان ٢ / ٩٥٧ ، اللسان (زبر).

(١١) من هنا نقله ابنعادل عن البغوي ٦ / ٢٣.

(١٢) آخر ما نقله عنالبغوي ٦ / ٢٣.

٢٢٧

لنبينا ـ عليه‌السلام (١) ـ ، أي : دع (٢) هؤلاء الكفار في جهلهم (٣).

قوله : (فِي غَمْرَتِهِمْ) مفعول ثان ل «ذرهم» أي : اتركهم مستقرين (فِي غَمْرَتِهِمْ) ويجوز أن يكون ظرفا للترك ، والمفعول الثاني محذوف.والغمرة في الأصل الماء الذي يغمر القامة ، والمغمر (٤) الماء الذي يغمر الأرض ثم استعير ذلك للجهالة ، فقيل :فلان في غمرة والمادة تدل على الغطاء (٥) والاستتار ومنه الغمر ـ بالضم ـ لمن لم يجرب الأمور ،وغمار الناس وخمارهم زحامهم ، والغمر ـ بالكسر ـ الحقد ، لأنه يغطي القلب ،فالغمرات الشدائد ، والغامر : الذي يلقي نفسه في المهالك (٦). وقال الزمخشري : الغمرة الماء الذي يغمر القامة ، فضربتلهم مثلا لما هم فيه من جهلهم وعمايتهم ، أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم(٧) عليه من الباطل كقوله :

٣٨٠٠ ـ كأنّني ضارب في غمرة لعب (٨)(٩)

وقرأ أميرالمؤمنين وأبو حيوة وأبو عبد الرحمن «غمراتهم» بالجمع (١٠) ، لأنّ لكل منهم غمرة تخصه. وقراءة العامة لا تأبى هذاالمعنى ، فإنه اسم جنس مضاف (١١).

قوله : (حَتَّى حِينٍ) أي إلى أن يموتوا. وقيل : إلى حين المعاينة. وقيل : إلىحين العذاب (١٢). ولمّا كان القوم في نعم عظيمة في الدنيا جاز أن يظنوا أنّتلك النعم كالثواب المعجل لهم إلى أديانهم ، فبيّن سبحانه أنّ الأمر بخلاف ذلكفقال : (أَيَحْسَبُونَأَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ)(١٣) أي : أن ما نعطيهم ونجعله مددا لهم من المال والبنين فيالدنيا ل (نُسارِعُ لَهُمْ فِيالْخَيْراتِ) أي : نعجل لهم في الخيرات ، ونقدّمها ثوابا بأعمالهملمرضاتنا عنهم (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) أنّ ذلك استدراج لهم (١٤).

قوله : (أَنَّما نُمِدُّهُمْ) في «ما» ثلاثة أوجه :

أحدها : أنهابمعنى الذي ، وهي اسم (أنّ) و (نمدّهم به) صلتها وعائدها محذوف ،

__________________

(١) في ب : عليهالصلاة والسلام.

(٢) في ب : ادع. وهوتحريف.

(٣) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٦.

(٤) في ب : والغمر.

(٥) في ب : لفظا. وهوتحريف.

(٦) انظر اللسان (غمر).

(٧) هم : تكملة منالكشاف.

(٨) عجز بيت من بحرالبسيط قاله ذو الرمة وصدره :

ليالي اللهو يطبيني فأتبعه

وهو في الديوان ١ / ٣٨ ، اللسان (غمر ،طبى) وشرح شواهد الكشاف : (١٣).

طباه يطبوه ويطبيه : إذا دعاه. أي :يدعوني اللهو في ليال كثيرة فأتبعه كأني سابح في لجة من الماء تغمر القامة.

(٩) الكشاف ٣ / ٤٩ ـ ٥٠.

(١٠) البحر المحيط ٦/ ٤٠٩.

(١١) المرجع السابق.

(١٢) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٦.

(١٣) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٦.

(١٤) انظر البغوي ٦ /٢٥.

٢٢٨

و (من مال) حال منالموصول أو بيان له ، فيتعلق بمحذوف ، و (نسارع) خبر (أنّ) والعائد من هذه الجملةإلى اسم (أنّ) محذوف تقديره : نسارع لهم به أو فيه (١) إلا أنّ حذف مثله قليل (٢). وقيل : الرابط بين هذه الجملة باسم «أنّ» هو الظاهر الذيقام مقام المضمر من قوله : (فِي الْخَيْراتِ) ، إذ الأصل نسارع لهم فيه ، فأوقع الخيرات موقعه تعظيماوتنبيها على كونه من الخيرات ، وهذا يتمشّى على مذهب الأخفش ، إذ يرى الربطبالأسماء الظاهرة وإن لم يكن بلفظ الأوّل ، فيجيز زيد الذي قام أبو عبد الله ، إذاكان أبو عبد الله كنية زيد (٣) ، وتقدّمت منه أمثلة. قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكونالخبر (من مال) ، لأنه (إذا) (٤) كان من مال فلا (٥) (يعاب عليهم ذلك ،وإنّما) (٦) يعاب عليهم اعتقادهم أن تلك الأموال خير لهم (٧).

الثاني : أن تكون (ما)مصدرية فينسبك منها ومما بعدها مصدر ، هو اسم (أنّ) ، و «نسارع» هو الخبر ، وعلىهذا فلا بدّ من حذف (أن) (٨) المصدرية قبل «نسارع» ، ليصح الإخبار ، تقديره : أن نسارع.فلمّا حذفت (أن) ارتفع المضارع بعدها ، والتقدير : أيحسبون أن إمدادنا لهم من كذامسارعة منّا لهم في الخيرات (٩).

الثالث : أنهامهيئة كافة ، وبه قال الكسائي (١٠) في هذه الآية ، وحينئذ (١١) يوقف على (وبنين) ، لأنّه قد حصل بعد فعل الحسبان نسبة منمسند ومسند إليه نحو : حسبت إنّما ينطلق عمرو وإنّما تقوم أنت (١٢). وقرأ يحيى بن وثاب : «إنّما» بكسر الهمزة (١٣) على الاستئناف ، ويكون حذف مفعول الحسبان اقتصاراواختصارا. وابن كثير في رواية «يمدّهم» بالياء (١٤) ، وهو الله تعالى ، وقياسه أن يقرأ «يسارع» أيضا. وقرأالسلمي وابن أبي بكرة (١٥) «يسارع» بالياءوكسر الراء (١٦) ، وفي فاعله وجهان:

أحدهما : الباريتعالى.

__________________

(١) انظر مشكل إعرابالقرآن ٢ / ١١٢ ، البيان ٢ / ١٨٦ ، التبيان ٢ / ٩٥٧.

(٢) لأن حذف العائدمن الجملة إذا كانت خبرا للمبتدأ يجوز في الشعر بلا وصف ضعف ، وهو في غيره ضعيف.انظر شرح الكافية ١ / ٩٢.

(٣) انظر شرح الكافية١ / ٩٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٩.

(٤) إذا : تكملة منالتبيان.

(٥) في ب : فلان. وهوتحريف.

(٦) ما بين القوسينتكملة من التبيان.

(٧) التبيان ٢ / ٩٥٧.

(٨) أن : سقط منالأصل.

(٩) انظر البحرالمحيط ٦ / ٤٠٩.

(١٠) انظر القرطبي ١٢/ ١٣١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٩.

(١١) في ب : وح.

(١٢) انظر القرطبي ١٢/ ١٣١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٩ ـ ٤١٠.

(١٣) انظر البحرالمحيط ٦ / ٤٠٩.

(١٤) المرجع السابق.

(١٥) هو عبد الرحمنبن أبي بكرة الثقفي ، أول مولود بالبصرة ، روى عن أبيه ، وروى عنه ابن سيرين وابنعون وجماعة ، توفي بعد الثمانين. خلاصة تهذيب تذهيب الكمال ٢ / ١٢٦ ـ ١٢٧.

(١٦) المختصر (٩٨) ،المحتسب ٢ / ٩٤ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.

٢٢٩

والثاني : ضمير (ما)الموصولة إن جعلناها بمعنى (الذي) ، أو على المصدر إن جعلناها مصدرية ، وحينئذ يكون «يسارع لهم» الخبر. فعلى الأوّل يحتاج إلى تقدير عائد أي : يسارع الله لهم به أوفيه وعلى الثاني لا يحتاج إذ الفاعل ضمير (ما) الموصولة (١).

وعن (ابن) (٢) أبي بكرة المتقدم أيضا «يسارع» بالياء مبنيا للمفعول (٣) و (فِي الْخَيْراتِ) هو القائم مقام الفاعل ، والجملة خبر (أنّ) والعائد محذوفعلى ما تقدّم (٤).

وقرأ الحسن : «نسرع»بالنون (٥) من أسرع ، وهي ك «نسارع» فيما تقدم. و (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) إضراب عن الحسبان المستفهم عنه استفهام تقريع ، وهو إضرابانتقال (٦) ، والمعنى : أنهم أشباه البهائم لا شعور لهم حتى يتفكروافي ذلك الإمداد ، أهو (٧) استدراج أم مسارعة في الخير (٨) روى(٩) يزيد (١٠) بن ميسرة (١١) قال : أوحى الله ـ تعالى ـ إلى نبيّ من الأنبياء : «أيفرحعبدي أن أبسط له في الدنيا وهو أبعد له منّي ، ويجزع أن أقبض عنه الدنيا وهي أقربله منّي» ثم تلا (أَيَحْسَبُونَأَنَّما نُمِدُّهُمْ)(١٢).

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِرَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْبِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْبِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩)وَالَّذِينَيُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ)(٦١)

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِرَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) الآيات لمّا ذمّ من تقدّم (١٣) بقوله : (أَيَحْسَبُونَأَنَّما نُمِدُّهُمْ) ثم (١٤) قال : (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) ، بيّن بعده صفات من يسارع في الخيرات ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِرَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) ، والإشفاق يتضمن الخشية مع زيادة رقة وضعف. وقيل : جمعبينهما للتأكيد. ومنهم من حمل الخشية على العذاب ،

__________________

(١) انظر المحتسب ٢ /٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.

(٢) ابن : تكملة منالبحر المحيط.

(٣) المحتسب ٢ / ٩٤ ،تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.

(٤) انظر المحتسب ٢ /٩٥.

(٥) المحتسب ٢ / ٩٤ ،تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.

(٦) ذلك أن (بل) حرفإضراب ، فإن تلاها جملة كان معنى الإضراب إمّا الإبطال نحو «وَقالُوااتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ»[الأنبياء: ٢٦]. أي : بل هم عباد. وإما الانتقال من غرض إلى آخر ، كما هنا. المغني ١ / ١١٢.

(٧) في ب : هو. وهوتحريف.

(٨) انظر الكشاف ٣ /٥٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.

(٩) في ب : وروى.

(١٠) في ب : زيد.

(١١) لم أقف له علىترجمة فيما رجعت إليه من مراجع.

(١٢) أخرج ابن أبيحاتم عن يزيد بن ميسرة قال : أجد فيما أنزل الله على موسى ... الدر المنثور ٥ /١١.

(١٣) من هنا نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٧.

(١٤) ثم : سقط منالأصل.

٢٣٠

والمعنى : إنالذين هم من عذاب ربهم مشفقون أي : خائفون من عقابه (١).

قوله : (مِنْ خَشْيَةِ) فيه وجهان :

أحدهما : أنهالبيان الجنس. قال ابن عطية : هي لبيان جنس الإشفاق (٢).

قال شهاب الدين :وهي عبارة (٣) قلقة (٤).

والثاني : أنهامتعلقة ب «مشفقون». قاله الحوفي (٥) ، وهو واضح.

قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْيُؤْمِنُونَ) يصدّقون ، وآيات الله هي المخلوقات الدالة على وجوده (٦). (وَالَّذِينَ هُمْبِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) وليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله ـ تعالىـ ، لأن ذلك داخل في قوله : (وَالَّذِينَ هُمْبِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) بل المراد منه نفي الشرك الخفيّ ، وهو أن يكون مخلصا فيالعبادة لا يقدم عليها إلا لوجه الله وطلب رضوانه (٧).

قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) العامة على أنه من الإيتاء ، أي : يعطون ما أعطوا (٨).

وقرأت عائشة وابنعباس والحسن والأعمش : «يأتون ما أتوا» (٩) من الإتيان ، أي : يفعلون ما فعلوا من الطاعات (١٠). واقتصر أبو البقاء في ذكر الخلاف على «أتوا» فقط (١١) ، وليس بجيّد ، لأنّه يوهم أن من قرأ «أتوا» بالقصر قرأ «يؤتون»من الرباعي وليس كذلك.

قوله : (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) هذه الجملة حال من فاعل «يؤتون» ، فالواو للحال ، والمعنى: يعطون ما أعطوه ، ويدخل فيه كل حق يلزم إيتاؤه سواء كان من حقوق الله كالزكوات ،والكفارات وغيرها (١٢). أو من حقوق الآدميين ، كالودائع ، والديون وأصناف الإنصافوالعدل. وبيّن أن ذلك إنما ينفع إذا فعلوه (وَقُلُوبُهُمْوَجِلَةٌ) ، أي : إنهم يقدمون على العبادة على وجل (١٣) من تقصير وإخلال بنقصان (١٤).

روي أن عائشة سألترسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : (وَالَّذِينَيُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)

__________________

(١) وهو قول الكلبيومقاتل. آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٧.

(٢) تفسير ابن عطية١٠ / ٣٦٩.

(٣) في ب : عبادة.وهو تحريف.

(٤) الدر المصون : ٥/ ٩٠.

(٥) البرهان ٦ / ١٥٧.

(٦) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٧.

(٧) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٨.

(٨) انظر تفسير ابنعطية ١٠ / ٣٧٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.

(٩) المختصر (٩٨) ،المحتسب ٢ / ٩٥ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.

(١٠) انظر البحر المحيط٦ / ٤١٠.

(١١) قال أبو البقاء: (ويقرأ : «أتوا» بالقصر ، أي : ما جاؤوه) التبيان ٢ / ٩٥٧.

(١٢) في ب : أوغيرها.

(١٣) في ب : وجه. وهوتحريف.

(١٤) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١٠٨.

٢٣١

أهو الذي يزني ،ويشرب الخمر ، ويسرق وهو على ذلك يخاف الله؟ فقال عليه‌السلام (١) : «لا يا بنت الصديق ، ولكن هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ،وهو على ذلك يخاف الله» (٢) قوله : «أنّهم» يجوز أن يكون التقدير : وجلة من أنّهم (٣) أي : خائفة من رجوعهم إلى ربّهم. ويجوز أن يكون : لأنهم (٤) أي : سبب الوجل الرجوع إلى ربهم.

قوله : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ) هذه الجملة خبر (إِنَّ الَّذِينَ)(٥) ، وقرأ الأعمش : «إنّهم» بالكسر (٦) ، على الاستئناف ، فالوقف على «وجلة» تام أو كاف (٧).

وقرأ الحسن : «يسرعون»(٨) من أسرع. قال الزجاج : يسارعون أبلغ (٩). يعني : من حيث إن المفاعلة تدل على قوة الفعل لأجلالمبالغة (١٠).

قوله : (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) في الضمير في «لها» أوجه :

أظهرها : أنه يعودعلى الخيرات لتقدمها في اللفظ (١١).

وقيل : يعود علىالجنة (١٢). وقال ابن عباس : إلى السعادة (١٣). وقال الكلبي : سبقوا الأمم إلى (١٤) الخيرات (١٥). والظاهر أن «سابقون» هو الخبر ، و «لها» متعلق به

__________________

(١) في ب : عليهالصلاة والسلام.

(٢) أخرجه الترمذي (التفسير)٥ / ٩ ، والإمام أحمد في مسنده ٦ / ١٥٩ ، ٢٠٥ ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٥ /١١.

(٣) انظر معانيالقرآن للفراء ٢ / ٢٣٨ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٧٤ ، التبيان ٢ / ٩٥٨.

(٤) تفسير ابن عطية١٠ / ٣٧٤ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.

(٥) من قوله : «إِنَّالَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ». انظر مشكل إعراب القرآن ٢ /١١٢ ، البيان ٢ / ١٨٦ ـ ١٨٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤١١.

(٦) تفسير ابن عطية١٠ / ٣٧٤ ، البحر المحيط ٦ / ٤١١.

(٧) الوقف : هوالسكوت على آخر الكلمة اختيارا لتمام الكلام ، فإن تمّ الكلام ولم يكن له تعلق بمابعده لا من جهة اللفظ ، ولا من جهة المعنى ، فهو الوقف التام لتمامه المطلق ،فيوقف عليه ، ويبدأ بما بعده ، وأكثر ما يكون التام في الرؤوس الآي وانقضاء القصصوقد يكون في وسط الآية. وإن كان له تعلق بما بعده من جهة المعنى فقط فهو الوقفالكافي ، للاكتفاء به عما بعده ، واستغناء ما بعده عنه ، وهو كالتام في جواز الوقفعليه والابتداء بما بعده ، وهو يكثر في الفواصل وغيرها. انظر النشر ١ / ٢٢٤.

(٨) المختصر (٩٨) ،المحتسب ٢ / ٩٦ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٧٤ ، البحر المحيط ٦ / ٤١١.

(٩) قال الزجاج : (وجائزيسرعون في الخيرات ، ومعناه معنى يسارعون. يقال : أسرعت وسارعت في معنى واحد إلاأن سارعت أبلغ من أسرعت) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٧.

(١٠) ذلك أن المفاعلةتكون من اثنين ، فتقتضي حث النفس على السبق ؛ لأن من عارضك في شيء تشتهي أن تغلبهفيه. البحر المحيط ٦ / ٤١١.

(١١) انظر البحرالمحيط ٦ / ٤١١.

(١٢) المرجع السابق.

(١٣) انظر البغوي ٦ /٢٦ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٧٤.

(١٤) في ب : في.

(١٥) انظر البغوي ٦ /٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤١١.

٢٣٢

قدّم للفاصلةوللاختصاص. واللام ، قيل : بمعنى (إلى) ، يقال : سبقت له ، وإليه ، بمعنى ومفعول«سابقون» محذوف ، تقديره : سابقون الناس إليها (١). وقيل : اللام للتعليل ، أي : سابقون الناس لأجلها (٢). وتكون هذه الجملة مؤكدة للجملة قبلها ، وهي (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) ، ولأنها تفيد معنى آخر وهو الثبوت والاستقرار بعدما دلّتالأولى على التجدد (٣).

وقال الزمخشري :أي : فاعلون السّبق لأجلها ، أو سابقون الناس لأجلها (٤) قال أبو حيان : وهذان القولان عندي واحد (٥). قال شهاب الدين : ليسا بواحد (٦) إذ مراده بالتقدير الأول : أن لا يقدر السبق مفعول ألبتة ،وإنّما الغرض الإعلام بوقوع السبق منهم من غير نظر إلى من سبقوه كقوله : (يُحْيِي وَيُمِيتُ)(٧) ، و (كُلُوا وَاشْرَبُوا)(٨) ، و «يعطي ويمنع» وغرضه في الثاني تقدير مفعول حذف للدلالة، واللام للعلة في التقديرين (٩) وقال الزمخشري أيضا : أو (١٠) : إيّاها سابقون. أي : ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهمفي الدنيا (١١). قال شهاب الدين : يعني أن «لها» هو المفعول ب (١٢) «سابقون» ، وتكوناللام قد زيدت في المفعول ، وحسن زيادتها شيئان كل منهما لو انفرد لاقتضى الجواز ،كون العامل فرعا ، وكونه مقدّما عليه معموله (١٣). قال أبو حيان : ولا يدل لفظ (لَها سابِقُونَ) على هذا التفسير ، لأنّ سبق الشيء الشيء يدل على تقديمالسابق على المسبوق ، فكيف يقول : وهم يسبقون الخيرات ، هذا لا يصح (١٤). قال شهاب الدين : ولا أدري عدم الصحة من أي جهة ، وكأنّهتخيّل أنّ السابق يتقدم على المسبوق (١٥) فكيف يتلاقيان؟ لكنّه كان ينبغي أن يقول : فكيف يقول : وهمينالون الخيرات ، وهم لا يجامعونها ، لتقدمهم عليها إلّا أن يكون قد سبقه القلمفكتب بدل (١٦) (وهم ينالون) (وهميسبقون) وعلى كل

__________________

(١) معاني القرآنللفراء ٢ / ٢٣٨ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٧ البحر المحيط ٦ / ٤١١.

(٢) انظر معانيالقرآن للفراء ٢ / ٢٣٨ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٧ التبيان ٢ / ٩٥٨البحر المحيط ٦ / ٤١١.

(٣) انظر البحرالمحيط ٦ / ٤١١.

(٤) الكشاف ٣ / ٥٠.

(٥) البحر المحيط ٦ /٤١١.

(٦) في ب : يسابقأحد. وهو تحريف.

(٧) [البقرة : ٢٥٨] ،وغير ذلك في مواطن كثيرة من القرآن الكريم. انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ص (٢٢٣).

(٨) [البقرة : ١٨٧] ،[الأعراف : ٣١].

(٩) الدر المصون : ٥/ ٩١.

(١٠) في الأصل : و.

(١١) الكشاف ٣ / ٥٠.

(١٢) ب : سقط من ب.

(١٣) الدر المصون ٥ /٩١.

(١٤) البحر المحيط ٦/ ٤١١.

(١٥) في الأصل بعدقوله : المسبوق. تكرير لكلام سابق وهو : فكيف يقول وهم يسبقون الخيرات هذا لا يصح.قال شهاب الدين : ولا أدري عدم الصحة من أي جهة وكأنه تخيل أن السابق يتقدم علىالمسبوق.

(١٦) بدل : سقط من ب.

٢٣٣

تقدير فأين عدمالصحة (١)؟ وقال الزمخشري أيضا : ويجوز أن يكون (وَهُمْ لَهاسابِقُونَ) خبرا بعد خبر ومعنى (وَهُمْ لَها) كمعنى قوله :

٣٨٠١ ـ أنت لها أحمد من بين البشر (٢)

يعني : أن هذاالوصف الذي وصف به الصالحين غير خارج من حد الوسع والطاقة (٣).

فتحصل في اللامثلاثة أقوال :

أحدها : أنهابمعنى (إلى).

الثاني : أنهاللتعليل على بابها.

والثالث : أنهامزيدة. وفي خبر المبتدأ قولان :

أحدهما : أنه «سابقون»وهو الظاهر.

والثاني : أنهالجار كقوله.

٣٨٠٢ ـ أنت لها أحمد من بين البشر (٤)

وهذا قد رجّحهالطبري (٥) ، وهو مروي عن ابن عباس (٦).

قوله تعالى : (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهاوَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْفِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣)حَتَّىإِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُواالْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ)(٦٥)

قوله : (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) الآية ، لمّا ذكر كيفيّة (٧) أعمال المؤمنين المخلصين ذكر حكمين (٨) من أحكام أعمال العبادة :

الأوّل : قوله : (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) قال المفضّل (٩) : الوسع الطاقة.

وقال مقاتل ،والضحّاك ، والكلبي ، والمعتزلة : هو دون الطاقة ، لأن الوسع إنما

__________________

(١) الدر المصون : ٥/ ٩١.

(٢) عجز بيت من بحرالمتقارب لم أهتد إلى قائله وصدره : قصيد رائقة صوغتها. وهو في الكشاف ٣ / ٥٠ ،شرح شواهده (٥٨) رائقة : خالية من الحشو والتعقيد. صوغتها : بالتشديد للمبالغة ،أنت لها :أي : أهل لها وكفؤ. و (أنت) مبتدأ و (لها)خبر ، وأحمد : منادى ، ومن بين البشر : متعلق بمحذوف حال ، أي : منتخبا من بينهمويجوز أن يكون أحمد أفعل تفضيل.

(٣) الكشاف ٣ / ٥٠.

(٤) تقدم الحديث عنهقريبا.

(٥) جامع البيان ١٨ /٢٧.

(٦) أخرجه ابن جريروابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله «أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِيالْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ» قال : سبقت لهم السعادة من الله. الدر المنثور٥ / ١٢.

(٧) من هنا نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٩.

(٨) في ب : حكمهن.وهو تحريف.

(٩) في ب : الفضل.

٢٣٤

سمي وسعا ، لأنهيتسع عليه فعله ، ولا يصعب ولا يضيق ، فبيّن أن أولئك المخلصين لم يكلفوا أكثر مماعملوا. قال مقاتل : من لم يستطع القيام فليصلّ قاعدا ، ومن لم يستطع الجلوسفليومىء إيماء ، ومن لم يستطع الصوم فليفطر (١).

قوله : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) «ينطق» صفة ل «كتاب»و «بالحقّ» يجوز أن يتعلق ب «ينطق» ، وأن يتعلق بمحذوف حالا من فاعله. أي : ينطقملتبسا بالحق ، ونطيره (هذا كِتابُنايَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ)(٢). فشبّه الكتاب (٣) بمن يصدر عنه البيان ، فإن الكتاب لا ينطق لكنه يعرب بمافيه كما يعرب وينطق الناطق إذا كان محقّا. فإن قيل : هؤلاء الذين يعرض عليهم ذلكالكتاب ، إما أن يكونوا محيلين الكذب على الله ، أو مجوزين ذلك عليه ، فإن أحالوهعليه ، فإنهم يصدقونه في كل ما يقول سواء وجد الكتاب أو لم يوجد ، وإن جوزوه عليهلم يحصل لهم بذلك الكتاب يقين ، لتجويزهم أنه ـ سبحانه ـ كتب فيه خلاف ما حصل ،وعلى التقديرين لا فائدة في ذلك الكتاب. فالجواب : يفعل الله ما يشاء ، وعلى أنهلا يبعد أن يكون ذلك مصلحة للمكلفين من الملائكة (٤).

قوله : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا ينقص من حسناتهم ، ولا يزاد على سيئاتهم ونظيره : (وَوَجَدُواما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(٥).

قالت المعتزلة (٦) : الظلم إمّا أن يكون بالزيادة في العقاب أو بالنقصان منالثواب ، أو بأن يعذب على ما لم يعمل أو بأن يكلفهم (ما لا يطيقون) (٧) فتكون الآية دالة على كون العبد موجدا لفعله ، وإلا لكانتعذيبه عليه ظلما ، ويدلّ على أنه ـ سبحانه ـ لا يكلف ما لا يطاق.

وأجيب بأنه لمّاكلف أبا لهب أن يؤمن (والإيمان يقتضي تصديق الله في كل ما أخبر به ، ومما أخبر أنّأبا لهب لا يؤمن) (٨) فقد كلّفه (بأن يؤمن) (٩) بأن لا يؤمن فيلزمكم (كل ما ذكرتموه (١٠))(١١).

قوله : (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ) أي : في غفلة وجهالة ، يعني الكفار (١٢) في غفلة. (مِنْ هذا) أي : القرآن ، أي (١٣) من هذا الذي بيّناه في القرآن ، أو من الكتاب الذي ينطقبالحق

__________________

(١) آخر ما نقله هناعن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٩.

(٢) [الجاثية : ٢٩].

(٣) من هنا نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٩ ـ ١١٠.

(٤) آخر ما نقله هناعن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٩ ـ ١١٠.

(٥) [الكهف : ٤٩].

(٦) من هنا نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١١٠.

(٧) ما لا يطيقون :تكملة من الفخر الرازي.

(٨) ما بين القوسينسقط من الأصل.

(٩) ما بين القوسينسقط من ب.

(١٠) آخر ما نقله هناعن الفخر الرازي ٢٣ / ١١٠.

(١١) ما بين القوسينتكملة من الفخر الرازي.

(١٢) من هنا نقله ابنعادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١١٠.

(١٣) في ب : أو.

٢٣٥

أو من هذا الذي هووصف المشفقين. «ولهم» أي : ولهؤلاء الكفار (أَعْمالٌ مِنْ دُونِذلِكَ) أي : أعمال خبيثة من المعاصي «دون (١) ذلك» أي : سوى جهلهم وكفرهم.

وقيل : «دون ذلك»يعني : من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله ـ عزوجل (٢) ـ قال بعضهم: أراد أعمالهم في الحال. وقيل : بل أرادالمستقبل لقوله : (هُمْ لَها عامِلُونَ).

وإنما قال : (هُمْ لَها عامِلُونَ) ، لأنها مثبتة في علم الله ـ تعالى ـ وفي اللوح المحفوظ ،فوجب أن يعملوها ليدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة. وقال (٣) أبو مسلم : هذه الآيات من صفات المشفين كأنه قال بعد وصفهم: (وَلا نُكَلِّفُنَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ونهايته ما أتى به هؤلاء المشفقون (وَلَدَيْنا كِتابٌ) يحفظ أعمالهم (يَنْطِقُ بِالْحَقِّ) (فَلاَ يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِيغَمْرَةٍ مِنْ هذا) هو أيضا وصف لهم بالحيرة كأنه قال : وهم مع ذلك الوجلوالخوف كالمتحيرين في أن أعمالهم مقبولة أو مردودة (وَلَهُمْ أَعْمالٌمِنْ دُونِ ذلِكَ) أي : لهم أيضا من النوافل ووجوه البرّ سوى ما هم عليه إمّاأعمالا قد عملوها في الماضي ، أو سيعملوها في المستقبل ، ثم إنه تعالى رجع بقوله :(حَتَّى إِذا أَخَذْنامُتْرَفِيهِمْ) إلى وصف الكفار (٤) وهذا قول قتادة.

قال ابن الخطيب :وقول أبي مسلم أولى ، لأنه إذا أمكن رد الكلام إلى ما يتصل به كان أولى من ردّهإلى ما بعد خصوصا ، وقد يرغب المرء في فعل الخير (٥) بأن يذكر أنّ أعمالهم محفوظة ، كما يحذر بذلك من الشر ،وقد يوصف المرء لشدة فكره في أمر آخرته بأن قلبه في غمرة ، ويراد أنّه قد استولىعليه الفكر في قبوله أو ردّه ، وفي أنه هل أدّى عمله كما يجب أو قصّر؟

فإن قيل : فماالمراد بقوله : «من هذا» وهو إشارة إلى ماذا؟

قلنا : إشارة إلىإشفاقهم ووجلهم بيّن أنهما مستوليان على قلوبهم (٦).

قوله : (هُمْ لَها عامِلُونَ) كقوله : (هُمْ لَها سابِقُونَ).

قوله : (حَتَّى إِذا) «حتّى» (٧) هذه إمّا حرف ابتداء (٨) والجملة الشرطية بعدها غاية لما قبلها ، وإذا الثانية (٩) فجائية ، وهي جواب الشرط ، وإمّا حرف جر عند بعضهم (١٠) ، وتقدّم تحقيقه. وقال الحوفي : «حتّى» غاية ، وهي عاطفة ،و «إذا» ظرف مضاف لما بعده فيه معنى الشرط ، و «إذا» الثانية في موضع جواب الأولى، ومعنى الكلام عامل في

__________________

(١) في ب : من دون.

(٢) في ب : تعالى.

(٣) في الأصل : قال.

(٤) آخر ما نقله هناعن الفخر الرازي ٢٣ / ١١٠.

(٥) في الأصل :الغير. وهو تحريف.

(٦) الفخر الرازي ٢٣/ ١١٠.

(٧) حتى : سقط من ب.

(٨) وهو رأي الجمهور.المغني ١ / ١٢٩.

(٩) في ب : التامة.وهو تحريف.

(١٠) وهو رأي الأخفشوابن مالك. المغني ١ / ١٢٩.

٢٣٦

«إذا» ، والمعنى :جأروا ، والعامل في الثانية «أخذنا» (١). وهو كلام لا يظهر (٢).

وقال ابن عطية : و«حتى» حرف ابتداء لا غير ، و «إذا» (٣) الثانية ـ (التي هي جواب) (٤) ـ تمنعان من أن تكون «حتى» غاية ل «عاملون» (٥). قال شهاب الدين : يعني أن الجملة الشرطية وجوابها لا يظهرأن تكون غاية ل «عاملون» (٦).

وظاهر كلام مكيأنها غاية ل «عاملون» ، فإنه قال : أي : لكفار قريش أعمال من الشر دون أعمال أهلالبر (هُمْ لَها عامِلُونَ) إلى أن يأخذ الله أهل النعمة والبطر منهم إذا هم يضجون (٧). والجؤار : الصراخ مطلقا (٨) ، وأنشد الجوهري (٩) :

٣٨٠٣ ـ يراوح(١٠)من صلوات الملي

ك طورا (١١) سجودا وطورا جؤارا (١٢)

وتقدم مستوفى فيالنحل (١٣).

فصل

قال الزمخشري : «حتى»هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام ، والكلام الجملة الشرطية (١٤).

واعلم أن الضميرفي «مترفيهم» راجع إلى من تقدم ذكره من الكفار ، لأن العذاب لا يليق إلا بهم (١٥). والمراد بالمترفين : رؤساؤهم. قال ابن عباس : هو السيفيوم بدر (١٦).

وقال الضحاك :يعني الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنييوسف» (١٧) فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف (١٨). وقيل : أراد عذاب الآخرة (١٩). ثم بين تعالى أنهم إذا نزل

__________________

(١) البرهان ٦ / ١٦١.

(٢) وبمثل هذا ردهأبو حيان. انظر البحر المحيط ٦ / ٤١٢.

(٣) في ب : وإذ. وهوتحريف.

(٤) ما بين القوسينسقط من ب.

(٥) تفسير ابن عطية١٠ / ٣٧٧.

(٦) الدر المصون ٥ /٩١.

(٧) البحر المحيط ٦ /٤١٢.

(٨) انظر اللسان (جأر).

(٩) الصحاح (جأر).

(١٠) في النسختين :يرواح.

(١١) في النسختين :وطورا.

(١٢) البيت من بحرالمتقارب ، من قصيدة للأعشى يمدح فيها قيس بن معديكرب. وقد تقدم.

(١٣) عند قوله تعالى: «وَمابِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِتَجْئَرُونَ» [النحل : ٥٣].

(١٤) الكشاف ٣ / ٥٠.

(١٥) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١١١.

(١٦) انظر البغوي ٦ /٢٧ ، القرطبي ١٢ / ١٣٥.

(١٧) أخرجه البخاري (الأذان)١ / ١٤٥ ومسلم (مساجد) ١ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧ ، أبو داود (الوتر) ٢ / ١٤٢ ، النسائي (الافتتاح)٢ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(١٨) انظر البغوي ٦ /٢٧ ، القرطبي ١٢ / ١٣٥.

(١٩) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١١١ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٢.

٢٣٧

بهم هذا «يجأرون»أي : ترتفع أصواتهم بالاستغاثة والضجيج لشدة ما نالهم.

ويقال لهم على وجهالتبكيت : (لا تَجْأَرُواالْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ).

لا تمنعون منا ولاينفعكم تضرعكم (١).

قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْفَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦)مُسْتَكْبِرِينَبِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْيَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْيَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَبِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَالْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْأَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١)أَمْتَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(٧٢)

قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) يعني القرآن (فَكُنْتُمْ عَلىأَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) وهذا مثل يضرب لمن يتباعد عن الحق كل التباعد فهو قوله (٢) : (فَكُنْتُمْ (٣) عَلى أَعْقابِكُمْتَنْكِصُونَ) أي : ترجعون قهقرى وتتأخرون عن الإيمان ، وينفرون عن تلكالآيات ، وعن من يتلوها كما يذهب الناكص على عقبيه بالرجوع إلى ورائه (٤).

قوله : (عَلى أَعْقابِكُمْ) فيه وجهان :

أحدهما : أنهمتعلق ب «تنكصون» كقولك نكص على عقبيه.

والثاني : أنهمتعلق بمحذوف ، لأنه حال من فاعل (تنكصون) قاله أبو البقاء (٥) وقرأ أمير المؤمنين «تنكصون» بضم العين (٦) ، وهي لغة (٧).

قوله : «مستكبرين»حال من فاعل «تنكصون» (٨) ، و «به» فيه قولان :

أحدهما : أنهمتعلق ب «مستكبرين» (٩).

والثاني : أنهمتعلق ب «سامرا» (١٠).

وعلى الأولفالضمير للقرآن (١١) ، لأنهم كانوا يجتمعون (١٢) حول البيت بالليل

__________________

(١) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١١١.

(٢) في النسختين :كقوله.

(٣) في النسختين :وكنتم.

(٤) انظر الفخرالرازي ٢٣ / ١١١.

(٥) قال أبو البقاء :(قوله تعالى : «عَلى أَعْقابِكُمْ» هو حال من الفاعل في «تنكصون») التبيان ٢ /٩٥٨.

(٦) تفسير ابن عطية١٠ / ٣٧٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٢.

(٧) في اللسان (نكص): قال أبو منصور : نكص ينكص وينكص.

(٨) انظر مشكل إعرابالقرآن ٢ / ١١٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٧٩ ، البيان ٢ / ١٨٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٨.

(٩) انظر الكشاف ٣ /٥١ ، التبيان ٢ / ٩٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.

(١٠) المراجع السابقة، والبيان ٢ / ١٨٧.

(١١) في ب : القرآن.

(١٢) في ب : يجمعون.

٢٣٨

يسمرون (١) ، وكان عامة سمرهم (٢) ذكر القرآن ، وتسميته سحرا وشعائرا. أو للبيت شرفه الله ـ تعالىـ كانوا يقولون : لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم ، كانوا يفتخرون به ، لأنهمولا ته ، والقائمون به. قاله ابن عباس ومجاهد. وقيل الضمير في «به» للرسول ـ عليه‌السلام (٣) ـ. أو للنكوص المدلول عليه ب «تنكصون» كقوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(٤). والباء في هذا كله للسببية ، لأنهم استكبروا بسبب القرآنلما تلي عليهم وبسبب البيت لأنهم كانوا يقولون نحن ولا ته ، وبالرسول لأنهم كانوايقولون هو منا دون غيرنا وبالنكوص لأنه سبب الاستكبار (٥). وقيل : ضمن الاستكبار معنى التكذيب فلذلك عدي بالباء (٦) ، وهذا (٧) يتأتى على أن يكون الضمير للقرآن وللرسول.

وأما على الثانيوهو تعلقه ب «سامرا» فيجوز أن يكون الضمير عائدا على ما عاد عليه فيما تقدم إلاالنكوص ، لأنهم كانوا يسمرون بالقرآن وبالرسول يجعلونهما حديثا لهم يخوضون في ذلككما يسمر بالأحاديث وكانوا يسمرون في البيت فالباء ظرفية على هذا (٨) و «سامرا» نصب علىالحال (٩) إما من فاعل «تنكصون» وإما من الضمير في (مستكبرين).

وقرأ ابن مسعودوابن عباس وأبو حياة ويروى عن أبي عمرو : «سامرا» بضم الفاء وفتح العين مشددة (١٠). وزيد بن علي وأبو رجاء وابن عباس أيضا «سمارا» كذلك إلاأنه بزيادة ألف بين الميم والراء (١١) ، وكلاهما جمع لسامر ، وهما جمعان مقيسان لفاعل الصفة (١٢) نحو ضرب وضراب في ضارب ، والأفصح الإفراد ، لأنه يقع علىما فوق الواحد بلفظ الإفراد يقال : قوم سامر (١٣) ونظيره : (نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً)(١٤).

__________________

(١) في الأصل :يسمروا ، وفي ب : يسحرون.

(٢) في ب : سحرهم.

(٣) في ب : عليهالصلاة والسلام.

(٤) للتقوى : سقط منالأصل. [المائدة : ٨].

(٥) انظر التبيان ٢ /٩٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٢ ـ ٤١٣.

(٦) انظر الكشاف ٣ /٥١ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٢.

(٧) في الأصل :ولهذا.

(٨) انظر التبيان ٢ /٩٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.

(٩) انظر مشكل إعرابالقرآن ٢ / ١١٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٨ ، البيان ٢ / ١٨٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٨.

(١٠) المحتسب ٢ / ٩٦، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٨٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.

(١١) تفسير ابن عطية١٠ / ٣٨٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٣.

(١٢) وذلك أن (فعل) و(فعال) من أمثلة جموع الكثرة ، ويطردان في كل وصف على (فاعل) صحيح اللام نحو ضاربوصائم ، تقول في جمعهما ضرب وضراب ، وصوم وصوام. شرح الأشموني ٤ / ١٣٣.

(١٣) قال ابن جني عندتوجيهه قراءة (سامرا) : السمر : جمع سامر ، والسامر : القوم يسمرون ، أي : يتحدثونليلا ، وروينا عن قطرب أن السامر قد يكون واحدا وجماعة. المحتسب ٢ / ٩٦ ، وفياللسان (سمر) : والسامر اسم للجمع كالجامل ، قال الأزهري : وقد جاءت حروف على لفظفاعل ، وهي جمع عن العرب ، فمنها الجامل والسامر والباقر والحاضر والجامل للإبل ،ويكون فيها الذكور والإناث ، والسامر : الجماعة من الحي يسمرون ليلا ، والحاضر :الحمي النزول على الماء والباقر : البقر فيها الفحول والإناث.

(١٤) [الحج : ٥].والتنظير بالآية على أن «طفلا» واحد في معنى الجمع التبيان ٢ / ٩٣٣.

٢٣٩

والسامر مأخوذ منالسمر ، وهو سهر (١) الليل أو مأخوذ من السمر : وهو ما يقع على الشجر من ضوءالقمر ، فيجلسون إليه يتحدثون مستأنسين (٢) به قال :

٣٨٠٤ ـ كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمربمكة سامر (٣)

وقال الراغب :السامر : الليل المظلم (٤) يقال (٥) : ولا آتيك ما سمر ابنا سمير (٦) يعنون الليل والنهار. وقال الراغب : ويقال : سامر ، وسمار، وسمرة ، وسامرون. وسمرت الشيء ، وإبل (٧) مسمرة ، أي : مهملة ، والسامري : منسوب إلى رجل (٨) انتهى.

والسمرة أحدالألوان (٩) ، والسامراء يكنى بها عن الحنطة (١٠).

قوله : «تهجرون»قرأ العامة بفتح التاء وضم الجيم (١١) ، وهي تحتمل وجهين :

أحدهما : أنها منالهجر بسكون الجيم (١٢) ، وهو القطع والصد. أي تهجرون آيات الله ورسوله ، وتزهدونفيهما فلا تصلونهما (١٣).

والثاني : أنها منالهجر ـ بفتحها ـ وهو الهذيان ، يقال : هجر المريض هجرا أي : هذى فلا مفعول له (١٤). ونافع وابن محيصن بضم التاء وكسر الجيم (١٥) من أهجر إهجارا ، أي : أفحش في منطقه (١٦) قال ابن عباس : يعني كانوا يسبون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) في ب : سمر.

(٢) في ب : مستأنين.وهو تحريف.

(٣) البيت من بحرالطويل قاله عمرو بن الحارث بن المضاض بن عمرو يتأسف على البيت ، وقيل : هو للحارثالجرهمي ، كما في اللسان. وهو في اللسان (حجن). الحجون : موضع بمكة ، ناحية منالبيت ، وقيل : جبل بمكة وهي مقبرة. والاستشهاد بالبيت أن (سامر) يطلق على غيرالواحد بلفظ المفرد فالسامر : الجماعة الذين يتحدثون بالليل.

(٤) المفردات في غريبالقرآن (٢٤٢).

(٥) في الأصل : قال.

(٦) السمير : الدهر ،وابنا سمير : الليل والنهار. المفردات في غريب القرآن (٢٤٢).

(٧) في الأصل :وابله.

(٨) المفردات في غريبالقرآن (٢٤٢).

(٩) السمرة : منزلةبين البياض والسواد ، يكون ذلك في ألوان الناس والإبل ، وغير ذلك مما يقبلها إلاأن الأدمة في الإبل أكثر. اللسان (سمر).

(١٠) اللسان (سمر).

(١١) وهي غير قراءةنافع. السبعة (٤٤٦). الحجة لا بن خالويه (٢٥٨) الكشف ٢ / ١٢٩ ، النشر ٢ / ٣٢٩.

الإتحاف ٣١٩.

(١٢) في ب : الميم.وهو تحريف.

(١٣) انظر مشكل إعرابالقرآن ٢ / ١١٣ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٨١ ، البيان ٢ / ١٨٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٨.

(١٤) تفسير ابن عطية١٠ / ٣٨١ ، البيان ٢ / ١٨٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٨.

(١٥) السبعة (٤٤٦) ،الحجة لا بن خالويه (٢٥٨) ، المحتسب ٢ / ٩٦ ، الكشف ٢ / ١٢٩ ، النشر ٢ / ٣٢٩ ،الإتحاف ٣١٩.

(١٦) الكشف ٢ / ١٢٩ ،مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٣ ، البيان ٢ / ١٨٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٩.

٢٤٠

اللّباب في علوم الكتاب | الآيات : 62 ـ 65 (2024)

References

Top Articles
Why Tahiti will host part of the Paris Olympic Games and the controversy that comes with it | CNN
'It's surreal': Rookie sensation Skenes to start for NL in All-Star Game
This website is unavailable in your location. – WSB-TV Channel 2 - Atlanta
Diario Las Americas Rentas Hialeah
Brady Hughes Justified
Metallica - Blackened Lyrics Meaning
Cottonwood Vet Ottawa Ks
Monthly Forecast Accuweather
Hocus Pocus Showtimes Near Harkins Theatres Yuma Palms 14
Immobiliare di Felice| Appartamento | Appartamento in vendita Porto San
Arrests reported by Yuba County Sheriff
Cvs Devoted Catalog
Lantana Blocc Compton Crips
Knaben Pirate Download
Cvs Learnet Modules
Things To Do In Atlanta Tomorrow Night
Shannon Dacombe
Slope Tyrones Unblocked Games
Gdlauncher Downloading Game Files Loop
Sec Baseball Tournament Score
BJ 이름 찾는다 꼭 도와줘라 | 짤방 | 일베저장소
Student Portal Stvt
Till The End Of The Moon Ep 13 Eng Sub
R/Mp5
49S Results Coral
Vlocity Clm
15 Downer Way, Crosswicks, NJ 08515 - MLS NJBL2072416 - Coldwell Banker
Appraisalport Com Dashboard /# Orders
Zero Sievert Coop
Austin Automotive Buda
Gary Lezak Annual Salary
Wunderground Orlando
Simnet Jwu
Craigslist Com Panama City Fl
No Boundaries Pants For Men
Ds Cuts Saugus
Gamestop Store Manager Pay
Dickdrainersx Jessica Marie
Juiced Banned Ad
Craigslist Houses For Rent Little River Sc
Hdmovie2 Sbs
Mega Millions Lottery - Winning Numbers & Results
Craigslist Sparta Nj
Diario Las Americas Rentas Hialeah
Tyrone Unblocked Games Bitlife
Divisadero Florist
Craigslist.raleigh
Turning Obsidian into My Perfect Writing App – The Sweet Setup
Adams County 911 Live Incident
ats: MODIFIED PETERBILT 389 [1.31.X] v update auf 1.48 Trucks Mod für American Truck Simulator
Yoshidakins
Latest Posts
Article information

Author: Mrs. Angelic Larkin

Last Updated:

Views: 5987

Rating: 4.7 / 5 (47 voted)

Reviews: 94% of readers found this page helpful

Author information

Name: Mrs. Angelic Larkin

Birthday: 1992-06-28

Address: Apt. 413 8275 Mueller Overpass, South Magnolia, IA 99527-6023

Phone: +6824704719725

Job: District Real-Estate Facilitator

Hobby: Letterboxing, Vacation, Poi, Homebrewing, Mountain biking, Slacklining, Cabaret

Introduction: My name is Mrs. Angelic Larkin, I am a cute, charming, funny, determined, inexpensive, joyous, cheerful person who loves writing and wants to share my knowledge and understanding with you.